هو الجمع الثاني في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم. فعند مــا
اتسعت الفتوحات الإسلامية انتشر الصحابة رضي الله عنهم في البلاد
المفتوحة
يعلمون أهلها القرآن وأمور الدين..
كان كل صحابي يعلم طلابه بالحرف الذي تلقاه من الأحرف السبعة،
فكان أهل الشام يقرأون بقراءة أبي بن كعب رضي الله عنه،
فيقرأون بما لم يسمع أهل العراق، وكان أهل العراق يقرأون
بقراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فيقرأون بما لم يسمع
أهل الشام، فيكفر بعضهم بعضا.
والمشافهة. وقد روعي في تسميته قرآنا كونه متلوا بالألسن، كما
روعي في تسميته كتابا كونه مدونا بالأقلام، فكلتا التسميتين
بالمعنى الواقع عليه. وتسميته بهذين الاسمين إشارة إلى أن من
حقه العناية بحفظه في موضعين، لا في موضع واحد، وأعني بذلك أنه
ينبغي حفظه في الصدور والسطور معا.
وعندما اتجه جيش المسلمين لفتح "أرمينية"
و"أذربيجان"
كان الجنود من أهل العراق وأهل الشام، فكان الشقاق والنزاع يقع
بينهم ورأى حذيفة بن اليمان رضي الله عنه اختلافهم في القراءة
وبعض ذلك مشوب باللحن مع إلف كل منهم لقراءته واعتياده عليها
واعتقاده أنها الصواب وما عداها تحريف وضلال حتى كَفر بعضهم
بعضا، فأفزع هذا حذيفة رضي الله عنه فقال : والله لأركبن إلى
أمير المؤمنين (يعني عثمان بن عفان رضي الله عنه)، وكان عثمان
قد رأى نحو هذا في المدينة فقد كان المعلم يعلم بقراءة والمعلم
الآخر يعلم بقراءة فجعل الصبيان يلتقون فينكر بعضهم قراءة
الآخر فبلغ ذلك عثمان رضي الله عنه فقام خطيبا وقال: "أنتم
عندي تختلفون فيه فَتَلحَنُون فمن نأى عني من الأمصار أشد فيه
اختلافا وأشد لحناً، اجتمعوا يا أصحاب محمد، واكتبوا للناس
إماما".
فلما جاء حذيفة إلى عثمان رضي الله عنهما وأخبره بما جرى تحقق
عند عثمان ما توقعه، وقد روى البخاري في صحيحه قصة ذلك الجمع
في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إن حذيفة بن اليمان قدم
على عثمان وكان يُغازي أهل الشام في فتح "أرمينية"
و"أذربيجان"
مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال حذيفة
لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في
الكتاب اختلاف اليهود والنصارى(1)
فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف
ثم نردها إليك فأرسلتها إليه فأمر
زيد بن ثابت وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث وعبد الله
بن الزبير
أن ينسخوها في المصاحف وقال: إذا
اختلفتم أنتم وزيد في شئ فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم،
فكتبوا منها عدة مصاحف على اللفظ الذي استقر عليه في العرضة
الأخيرة على الرسول صلى الله عليه وسلم، فوجه بمصحف إلى
البصرة
بمصحف إلى
اليمن
وإلى
البحرين
وبمصحف إلى
مكة
وبمصحف إلى
الشام
وبمصحف إلى
الكوفة
وترك
بالمدينة
مصحفا وأمسك لنفسه مصحفا وهو الذي يقال له
الإمام.
واجتمعت الأمة المعصومة من الخطأ على ما تضمنته هذه المصاحف
وترك ماخالفها من زيادة ونقص، وإبدال كلمة بأخرى مما كان
مأذونا فيه، ولم يثبت ثبوتا مستفيضا أنه من القرآن. وجردت هذه
المصاحف جميعها من النقط والشكل ليحتملها ما صح نقله وثبتت،
وتلاوته عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ كان الاعتماد على
الحفظ المتلقى عن الرسول لا على مجرد الخط .
(2)
اللجنة المختارة:
اختار عثمان رضي الله عنه أربعة لنسخ المصاحف هم: زید بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وهؤلاء الثلاثة من قريش. فلقد سأل عثمان رضي الله عنه الصحابة": من أكتب الناس؟ قالوا: كاتب رسول الله زید بن ثابت قال : فأي الناس أعرب؟ وفي رواية: أفصح. قالوا: سعيد بن العاص، قال عثمان: فليمل سعيد، وليكتب زيد". وقيل إن عثمان رضي الله عنه اختار اثني عشر رجلا من قریش والأنصار فيهم أبي بن كعب، وزيد بن ثابت وغيرهم".