موقع القرآن الكريم                   القراءات العشر



   تدوين المصحـف في عهـد النبي صلى الله عليه وسلم

 


 

القرآن الكريم كلام الله تعالى حقيقة بلفظه ومعناه، أنزله على محمد

صلى الله عليه وسلم معجزة له؛ لهداية خلقه تعالی، بوساطة جبريل

عليه السلام .ولا شك أن الاعتماد في نقل القرآن الكريم هو التلـقـي

والمشافهة. وقد روعي في تسميته قرآنا كونه متلوا بالألسن، كما روعي في تسميته كتابا كونه مدونا بالأقلام، فكلتا التسميتين بالمعنى الواقع عليه. وتسميته بهذين الاسمين إشارة إلى أن من حقه العناية بحفظه في موضعين، لا في موضع واحد، وأعني بذلك أنه ينبغي حفظه في الصدور والسطور معا.

وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتنزل عليه الوحي وهو لا يعرف القراءة ولا الكتابة مما دعاه إلى اتخاذ كتاب للوحي من أجلاء الصحابة كعلي، ومعاوية، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، فحينما تنزل الآية يأمرهم بكتابتها ويدلّهم على موضع المكتوب من سورته فيكتبونه،(1) فيما يسهل عليهم من الأدوات المتوفرة لديهم في ذلك الوقت: من العُسُب (العسيب: جريد النخل المستقيم) واللخاف (الأخاف: حجارة بيض عريقة رفاق) والرقاع (جمع رقعة وهي الخرقة) وقطع الأديم (الجلد) وعظام الأكتاف (جمع كتف وهو العظم المعروف في الإنسان والحيوان) والأضلاع ... ويدل على ذلك الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد والترمذي وأبو داود والحاكم من حديث عبد الله بن عباس عن عثمان بن عفان رضي الله عنهم قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يأتي عليه الزمان، ينزل عليه من السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشيء يدعو بعض من يكتب عنده فيقول: "ضعوا هذه في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا. وينزل عليه الآية فيقول: ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا وينزل عليه الآيات فيقول: ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا". (2)

وكذلك الحديث الذي أخرجه البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه أنه قال: " لما نزلت ﴿لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿النساء الآية:٩٥  دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زيداً فكتبها، فجاء ابن أم مكتوم، فشكا ضَرَارتَهُ فأنزل الله ﴿غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وفي رواية أخرى عن البراء قال: "لما نزلت ﴿لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ادعوا فلاناً، فجاءه ومعه الدواة واللوح أو الكتف، فقال: اكتب: ﴿لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِوخلف النبي صلى الله عليه وسلم ابنُ أم مكتوم، فقال: يا رسول الله أنا ضرير، فنزلت مكانها ﴿لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ..

ولم تكن هذه الكتابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مجتمعة في مصحف عام، بل عند هذا ما ليس عند الآخر، وقبض الرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن محفوظ في الصدور ومكتوب في الصحف بالسبعة الأحرف ولم يجمع في مصحف عام حيث كان الوحي يتنزل تباعا فيحفظه الصحابة ویکتبونه. ولم تدع الحاجة إلى تدوينه في مصحف واحد؛ لأن الرسول كان يترقب نزول الوحي من حين لآخر، وقد يكون منه الناسخ لشيء نزل من قبل. يقول الزركشي: "وإنما لم يكتب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مصحف، لئلا يفضي إلى تغييره كل وقت، فلهذا تأخرت كتابته إلى أن كمل نزول القرآن بموته صلى الله عليه وسلم"(3)

وهكذا انقضى العهد النبوي والقرآن مجموع على هذا النمط.

 

 

 المصـــدر :

   1)"علم القراءات: نشأته -أطواره -أثره في العلوم الشرعية" د. نبيل بن محمد إبراهيم آل اسماعيل ص95 

   2)"جمع القرآن الكريم حفظا وكتابة " د. علي بن سليمان العبيد  ص24 

   3) " البرهان في علوم القرآن " للإمام بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي- الجزء الأول - ص262      

 

 







أئمة القراء ورواتهم