من المعلوم أن عددا كبيرة من الصحابة رضي الله عنهم كانوا يحفظون
القرآن الكريم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وحين ارتـــدت
قبائل العرب بعد وفاته شارك هؤلاء الحفاظ مع بقية الصحابة في قتـال
المرتدين،
ولم
تكن
حروب
الردة
يسيرة
بل
كانت
شديدة
على
المسلمين،
قتل
فيها
عدد
كبير
من
القراء
الذين
يحفظون
القرآن
الكريم،
مما
جعل
بعض
الصحابة
يخشى
أن
يذهب
شيء
من
القرآن
بذهاب
حفظته
فتشاوروا
فيما
بينهم
واتفقوا
على
جمع
القرآن
في
مصحف
واحد.وقد
روى البخاري في صحيحه قصة ذلك الجمع عن زيد بن
ثابت رضي الله عنه فقال:
أرسل
إلي أبو بكر -مقتل أهل اليمامة -فإذا عمر بن الخطاب عنده،
قال أبو بكر رضي الله عنه:
إن
عمر
أتاني فقال: إن
القتل
قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن وإني أخشى
أن
يستحر
القتل
بالقراء
بالمواطن
فيذهب
كثير
من
القرآن،
وإني
أرى
أن
تأمر
بجمع
القرآن،
قلت
لعمر:
كيف
تفعل
شيئا
لم
يفعله
رسول
الله.
قال
عمر:
هذا
والله
خير،
فلم
يزل
عمر
يراجعني
حتى
شرح
الله
صدري
لذلك،
ورأيت
في
ذلك
الذي
رأى
عمر،
قال
زيد:
قال
أبو
بكر:
إنك
رجل
شاب
عاقل
لا
نتهمك،
وقد
كنت
تكتب
الوحي
لرسول
الله
صلى الله عليه وسلم
فتتبع
القرآن
فاجمعه،
فوالله
لو
كلفوني
نقل
جبل
من
الجبال
ما
كان
أثقل
علي مما
أمرني
به
من
جمع
القرآن.
قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله؟
قال:
هو والله خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري
للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فتتبعت
القرآن
أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة
التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري
لم أجدها
مع
أحد غيره "لقد
جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه
ما عنتم.."
حتی خاتمة براءة،
فكانت الصحف عند أبي بكر حتى
توفاه الله،
ثم
عند
عمر حياته، ثم عند
حفصة بنت عمر
رضي الله عنهما. قال ابن
عطية في تفسيره:
"كان القرآن في مدة النبي صلى الله عليه وسلم متفرقا في
صدور الرجال،
وقد كتب الناس منه في صحف، وفي جريد، وفي الظُرَر
(الظُرَر: الحجر عامة، وقيل هو الحجر المدور)،
وفي لخاف وفي خزف، وغير ذلك فلما
استحر القتل بالقراء يوم اليمامة،
أشار عمر بن الخطاب على أبي بكر الصديق رضي
الله عنهما
بجمع القرآن مخافة أن يموت أشياخ القراءة كأُبَي، وزيد،
وابن مسعود فيذهب، فندبا إلى
ذلك زيد بن ثابت
فجمعه
غير
مرتب
السور
بعد
تعب
شديد
منه
رضي
الله
عنه".
كيفية هذا الجمع
:
من المعلوم أن زید بن ثابت رضي الله عنه كان يحفظ
القرآن كله في صدره وكان القرآن مكتوبا عنده ومع
هذا فلم يعتمد على
ما
حفظه ولا
على ما كتب بيده، وذلك أن عمله ليس جمع القرآن
فحسب، وإنما التوثيق والتثبت فيما يكتب ولهذا قال
الزركشي رحمه الله تعالى عن زید:
"وتتبعه للرجال كان للاستظهار
لا
لاستحداث العلم
" وقال ابن حجر رحمه الله تعالى: "وفائدة التتبع
المبالغة في الاستظهار والوقوف عند ما كتب بين يدي النبي
صلى الله عليه وسلم.
وقد رسم أبو بكر رضي الله عنه لزيد المنهج لهذا الجمع فقال له ولعمر بن الخطاب رضي الله عنه: "اقعدا على باب المسجد، فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتتباه "
وقد امتثلا ذلك فقد قام عمر في الناس فقال: "من كان تلقی من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من القرآن فليأتنا به".
وعلى
هذا
فإن
منهج
زيد
في
جمع
القرآن
الكريم
في
عهد
أبي بكر
الصديق
رضي
الله
عنه
يقوم
على
أسس
أربعة:
الأول: ما كُتِبَ بين يدي رسول الله.
الثاني: ما كان محفوظا في صدور الرجال.
الثالث: أن لا يقبل شيئا من المكتوب حتى يشهد شاهدان على أنه كُتب بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، قال السخاوي معناه:"من جاءكم بشاهدين على شيء من كتاب الله الذي كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى: "وكان غرضهم أن لا يكتب إلا من عين ما كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم لا من مجرد الحفظ".
تسميته بالمصحف:
لم يكن(المصحف) يطلق على القرآن قبل جمع أبي بكر الصديق رضي الله عنه وإنما عرف هذا الاسم بعد أن أتم زيد جمع القرآن. فقد روى السيوطي عن ابن أشته في كتابه (المصاحف) أنه قال: "لما جمعوا القرآن فكتبوه في الورق قال أبو بكر التمسوا له اسما فقال بعضهم السِفر وقال بعضهم: المصحف فإن الحبشة يسمونه المصحف، وكان أبو بكر أول من جمع كتاب الله وسماه المصحف".